الإفلات الأمنيّ واختطاف نغم الهلباويّ




الآن الساعة 4.12 فجر الأحد أول يناير 2012م

لكأني بحديث رسول الله  الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها : " أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت في عهد النبي  . في غزوة الفتح . فقالوا : من يكلم فيها رسول الله  ؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ، حب رسول الله  ؟ فأتى بها رسول الله  . فكلمه فيها أسامة بن زيد . فتلون وجه رسول الله  . فقال ( أتشفع في حد من حدود الله ؟ ) فقال له أسامة : استغفر لي . يا رسول الله ! فلما كان العشي قام رسول الله  فاختطب . فأثنى على الله بما هو أهله . ثم قال ( أما بعد . فإنما أهلك الذين من قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف ، تركوه . وإذا سرق فيهم الضعيف ، أقاموا عليه الحد . وإني ، والذي نفسي بيده ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها . قال يونس : قال ابن شهاب : قال عروة : قالت عائشة : فحسنت توبتها بعد . وتزوجت . وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله  .

الشاهد هنا من هذا الحديث ـ وكله شاهد ـ قول النبي  : " ... أما بعد . فإنما أهلك الذين من قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف ، تركوه . وإذا سرق فيهم الضعيف ، أقاموا عليه الحد . وإني ، والذي نفسي بيده ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها .."

وأنا أستلهم المفهوم المقابل من هذا المقطع ؛ أي أن من أسباب هلاك وإهلاك الأمم أن يكون هناك تفريقاً طبقياً بين أفراد المجتمع بحيث إذا أذنب ذو الشأن وصاحب السطان غفر له وعفي عنه وأقيلت عثرته وعطلت الحدود من أجله وأقفلت القضايا وسُكِّت الإعلام وقصفت الأقلام وأخرست الألسن ..!

وكذلك أقيس على ذلك أنه إذا سُرق من القوي أو قُتل ذو السلطان أو اختُطف أحد هؤلاء أقيمت الدنيا وهيجت النفوس وجندت الجنود وأنفقت الأموال واستنفذت الوسائل حتى يعود الحق المسلوب والولد المخطوف ويقاد للمقتول من قاتله ويرد المال إلى ربه ـ لا بأس !

لكن البأس كل البأس أن يختلف التصرف إذا كان المال مال فقير أو الذي اختطف من عائلة ضعيفة أو مغمورة غير ذات شأن " ملهوش ظهر ولا واسطة ولا محسوبية " .

فلا الجهود تبذل ولا الإمكانات توظف ولا السلطات تعمل ولا العبقريات البحثية تنشط ولا العقول الذكية تبتكر حلولاً 
" وحِلّنَا وحِلّ عن سمانا أَدِينَا بنعمل تحريات وربنا يسهل " .

وإذا كان الأمر على مثل هذا النحو فلا إمكانية لشيوع الأمن ولا سبيل إلى عموم الاستقرار ولا أمل في حلول الرخاء وانتشار السلامة الاجتماعية 
والله المستعان وإلى الله المشتكى .

هو إذاً إفلات أمني متعمد وإرهاب سلوكي منظم وإجرام سياديٌّ ممنهج وموجه والحقيقة الواضحة لذي عينين أن البلطجة والاعتداءات على الأرواح والأعراض والممتلكات مقصودة متعمدة لا تقع عفو الخاطر إلا قليلا أما غالبية الأحداث والجرائم حتى الطبيعي منها فإن تركها تقع أو التخاذل والتراخي في ملاحقة الجناة فهو لا يخلو عن تعمد وقصد ؛ وإلا فما قولك في إعادة ابنة عفت السادات إلى أبيها في وقت يسير والقبض على الجناة وتقديمهم لمحاكمة سريعة عاجلة ناجزة ؟

هذا إذا لم يتم إجهاض الجريمة ومنع الاعتداء قبل وقوعه أصلاً عن طريق اتخاذ كافة الوسائل والضمانات الأمنية والتأمينية والإجرائية احترازاً عن وقوع أية محاولة لجريمة ولو عارضة " وما مشهد تأمين الانتخابات عنا ببعيد ؛ ففي أيامها في المرحلتين عم الأمن والتأمين وغابت البلطجة إلا في وقت يسر كنوع من " حلاوة الروح ".

فهم إذا أرادوا التأمين أمَّنُوا ، وإذا أرادوا التحصين حصَّنُوا 
وكذلك إذا أرادوا التخويف والتخوين والترهيب والقمع فعلوا !

إن كنت لا تصدقني فهذا حقك وهذا رأيك

وكذلك هذا رأيي ، أنا لست أشُقُّ عما في قلوبهم ولكنها الشواهد تبدوا للناظرين وتزكم كريهةُ روائحها أنوف العالمين ، 

وإذا كنت مصمماً ومصرا وملحا متمسكاً برأيك قائلاً أن هناك حالة " انفلات أمني " بينما أُصر أنا على أنها حالة " إفلات وليست انفلات " 
والفرق بينهما لتعلمه وتدركه إن كان عسيراً عليك أوضحه بمثال فقهيٍّ واعذرني فأنا لا أذكره من باب المماثلة والمقارنة ولكن من باب التوضيح
" في الفقه الإسلاميِّ فرق بين من أفلت الريح عامداً مختاراً ليخرج من دبره ليفسد وضوؤه ويؤذي المحيطين بتعكير ـ وليس بتعطير ـ الجو وإزكام الأنوف ، وهو قادر على إمساك بطنه ومنع نفسه لكنه أفلت الريح متعمداً ؛ فهذا بطلت صلاته وانتقض وضوؤه وأثم إذا قصد إيذاء المحيطين 
هذا مثال للإفلات المتعمد وعلى هذا فَقِسْ ...!
" من القياس لا الفقس "
أما الانفلات فهو من رجل مريض لا يتمالك نفسه فكلما تجمعت الغازات انفلتت فهو معذور فحكمه الوضوء لكل صلاة ولا إثم عليه .. 

وعلى هذا أيضاً فَقِسْ



أرأيت الفارق بين الإفلات والانفلات ؟

فلتنظر معي مثلاً لا حصراً وتأمل وقل لي :

ما قولك في مقتل مصمم الأزياء محمد داغر وكيف أنهم تمكنوا من إلقاء القبض على القاتل في سرعة يحسدون عليها ؟

ما قولك في سرعة القبض على البلطجية الذين اعتدوا على مأمور قسم بولاق الدكرور الذي تعرضت له مجموعة من البلطجية وحطموا سيارته فلم يلثوا أن تمكنوا من الوصول إلى الجناة ؟

وغيرها وغيرها من الحوادث التي لا تلبث قوات الأمن أن تصل إلى مرتكبيها في حين كثير من الحوادث الأخرى تظل رهن الانتظار " خذ مثلاً قضية مقتل أختنا سلوى عادل عطا وابنها وأظن قد مات زوجها ؛ إذ قتلها إخوتها غدراً وخيانة بسبب أنها أسلمت ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟" . هل تسمع عنها شيئا في أية وسيلة من وسائل الإعلام باختلاف أنواعه وأشكاله وألوانه ؟

والآن أيضاً ما وقع يوم الخميس من اقتحام ومداهمة بيت الأخ محمد الهلباوي وقت غيابه ووالدته وجدته بل وجيرانه في العمارة عن التواجد واختطاف أخته الأنسة نغم ابنت الستة عشر ربيعاً وتحطيم بعض أثاث الشقة وسرقة مبلغ مالي يسير " على حد وصف الأستاذ محمد الهلباوي خلال مداخلته على قناة الحكمة ، وكون الأستاذ محمد هو مدير أو مسؤول الحملة الانتخابية في الاسكندرية للشيخ الدكتور حازم صلاح أبو إسماعيل المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية في مصر ، وكون أمه هي مسؤولة الحملة النسائية أيضاً ، وأخته نغم حافظة للقرآن وقائمة على تحفيظ الأخوات ولها نشاط دعويٌّ ، هذا كله يفيد أو يعطي إشارات تلمح إلى أن هناك حملة وخطة ممنهجة وموجهة ومقصودة ومدعومة ؟

لم نلق الإعلام العلماني ولا اليبرالي الذي جعل ينعق على عرض الفتاة المسحولة والأخرى التي تمت تعريتها مطالبا بحقها وغيرها في الكرامة ـ ولا بأس ـ لكننا لم نجده يندب ويصرخ وينعى الحقوق والحريات والحرمات ويبكي الأمن المفقود والبيت المقتحم والستور المهتكة والسكينة المضيعة كما تباكى بخطف ابنة عفت السادات !

قد يقول قائل : ليست الحالة الوحيدة التي اختطفت فلم تقدم السوء وتسيء الظن ؟
أقول : إن المعتاد فيما مضى من حالات اختطاف أن تقع في الطريق العام أو الدائري ونحوه ، كما أن المختطفين لا يسكتون بل يسارعون بالاتصال بالأهل وأولياء المخطوف أو المخطوفة ليساوموهم على فدية مالية عالية أو مصلحة ما ، لكن نغم لم يحدث مع أهلها مثل هذا ، ألا ترى الأمر أبعد من كونه عملية بلطجة لابتزازا أوليائها لدفع الفدية ؟

كما أن الواضح من كلام أخيها محمد الهلباوي أن الشقة لم يتعرض شئ من محتوياتها وأثاثها لسرقة والحاسوب " اللاب توب " كما هو اللهم إلا مبلغ مالي يسير ، ألا يعطينا هذا العمل نظرة تفسيرية تؤيد كونها حادثة ممنهجة مقصودة ؟
لاسيما وقد تم العبث بمحتويات الشقة البيت ولم يسرق منها شئ !!


ثم إن هناك قولاً قاله أخوها صبره الله وأهلها آمين 
قال في مداخلته مع د وسام عبد الوارث : أن رجال المعمل الجنائي الذين أتوا لرفع البصمات تعللوا بأن بعض الأثاث من نوع خشب غال الثمن وأنه لهذا السب لن يتمكن من رفع البصمات من عليه .. فما معنى هذا وما مدلوله ؟؟!!!!!!

لا ندري هل أصابت الثورة أهدافها أم لا زالت الثورة تحتاج إلى ثورة أخرى تنقذها من ذلك الاعتداء والالتفاف البشع ؟

هل فعلا زال حكم مبارك أم أنه لا يزال يحكم ولكن ليس من قصر عابدين أو رأس التين أو حتى من شرم الشيخ ولكن من مستشفى السلام الدولي ؟

هل انتهى عصر الطاغوت حبيب العادلي وزبانية أمن الدولة أم أنه لا يزال يعمل بكل قوته بل أشد وأعتى وأعنف وأقوى بزيادة حقد ومخزون ضغن وبغض وغيظ ؟

هل وصل بنا الوضع إلى أن تقتحم بيوتنا الآمنة وتختطف بناتنا ونساؤنا من خدورهن وكأنا في حواري شيكاغوا ـ على رأي المثل ـ ؟

هذا على فرض أن المختطفين هم مجرد بلطجية لا علاقة لهم بكونها شقيقة أحد مسؤلي حملة الشيخ الانتخابية وكذلك أمه وهي حافظة للقرآن معلمة لأخواتها الفتيات .

!...............ردوا نغم                                                                       

1.ردوا علينا أختنا ردوا نغم                           ‍
ويل لكم إن تعرضوا تعساً لكم

2.ماذا دهاكم أُذهبت أحلامُكم ‍
وقلوبكم طارت لخيبة زعمكم ؟

3.ظلتم تقولون : ارتضينا بالذي ‍
يختاره الشعب الكريم المحترم

4.ولسوف نسلم أمرنا مهما بدا ‍
من رغبة الشعب الأبي لمن حكم

5.خِلْتُم عروش ضلالكم لا تُهزمُ ‍
فأتت نتائج الاقتراع بخسركم

6.خرَّتْ على أربابها وتحطمت ‍
وتبددت ومآلها أن تنهزم

7.لا تقربونا ـ قالها الشعب ـ ارحلوا ‍
رغم الصياح ورغم إلقاء التهم 

8.لا لن نكون سوى عباداً للذي ‍
برأ السما وأفاض من كل النعم

9.إنا نريد شريعة الله التي ‍
تمت ؛ بها نبقى الأعزة في الأمم

10.اختارنا الشعب التقيُّ وإنه ‍
لموفق إذ قالها جمعاً نعم

11.والشيخ حازم قد أطل بوجهه ‍
فاستبشروا فالشيخ من أهل الكرم

12.نحيا جميعاً بالكرامة ؛ لن نَهِي ‍*
لن نستذل لحاكم مهما عظم

13.طاف البلاد يقولها : كونوا معي ‍
فالظلم مهما طال مأواه العدم

14.فالتف حول الشيخ أبناء الهدى ‍
يتنافسون تطوعا كلٌّ دَعَم

15.ومحمد الهلباوِ قائد حملةٍ ‍**
باسكندريته وقودٌ لِلهِممْ

16.هو في الرجال وأمه لنسائها ‍
عبر المواقع والمساجد تلتحم

17.وشقيقة الهلباوِ درة أهلها ‍
حفظت كتاب الله نبراس الأمم

18.تسعى لتنشره لتخدم جيلها ‍
نِعْمَ الفتاة ـ سَلِمْتِ من شِرِّ النِّقَمْ

19.في ستة من بعد عشر عمرها ‍
زهراء ذات الخدر حسناء الشيم

20.راموا مساءتها بخطفٍ ـ قد عموا ـ ‍
غدروا بها ـ خاب البغيُّ وما غنم

21.ردوا علينا أختنا أو فليكن ‍
ما ليس في الحسبان والباغي رَغِمْ

22.أين الجحافل أين إعلام الردى ‍
أهل النفاق الزاعمون حقوقهم ؟

23.أين الجنود بواسل الأمن التي ‍
كم أرهقونا بالنكاية أين همْ ؟

24.قل للمشير وقل لعامل شرطة ‍
ردوا بنيتنا وهاتوا من هَجَمْ

25.اذكر بُنَيَّةَ عفت السادت قد ‍
سَلِمَتْ ، وخطافها المُؤَثَّمُ ما سَلِمْ

26.حشدوا لنصرتها الجهود وسَخَّرُوا ‍
سلطانهم حتى أعيدت تبتسم

27.قنواتهم إعلامهم صفحاتهم ‍
لم يغفلوا لم يغمضوا أجفانهم

28.لم يهنؤوا حتى استردوها ؛ ففي ‍
إرجاعها فخر وإعزاز لهم

29.هاجوا وماجوا صولةً في جولةٍ ‍
لا عيب لا إنكار هذا حقهم

30.لكن أخيتنا البريئة إذ بغى ‍
كلب عليها وهْي في البيت اقتحم

31.لم يذكروها ؟ أم عموا ؟ أم يا ترى ‍
في أُذْنِهِمْ وقْرٌ ؟ أصابهم البكم ؟

32.أعراضنا لم تستبح من قبل ، ما ‍
سر العداوة للجناب المحترم ؟

33.ثـُرنا على الطاغوت حتى ينجلي ‍
لكن تـَبَقـَّى بعده شر جثم

34.لا ، لا تقل هذا انفلاتٌ ؛ إنما ‍
هو عمد إفلاتٍ وجُرْمٌ منتظم

35.لو أنهم شاءوا الأمان لأمَّنُوا ‍
لكن أبَوْا والخوف كان مرادهم

36.إلا لمن سلك الطريق ـ طريقهم ـ ‍
لم يُبد رفضاً لم يعارض رأيهم

37.أما الذي قال اتقوا الله الذي ‍
هو ربنا وإلهنا وإلهكم

38.يلقى العداوة والأذى في نفسه ‍
في أهله ، في عرضه من جورهم

39.هذا محمدٌ ابن هلباوي وقد ‍
غدروا به في أخته الفضلى نغم

40.أنـَّتْ لحسرتها عليها جدةٌ ‍
تبكي حفيدتها ويقتلها الألم

41. فاضت دموع العين حتى إنها ‍
قد غالبت موج البحار المنسجم

42.فاضت من البلوى تهز كيانها ‍
وتزلزل القلب الشفوق ، فمن رحم ؟

43.فاضت وفاضت روحها في إثرها ‍
الموت أهون من ضياعك يا نغم

44.لا تصنعوا الإرهاب تحرق ناره ‍
من مسها فلتحذروا أن تضطرم

45.صونوا البلاد ولا تخونوها ولا ‍
تستنكفوا عن نصر عبد قد ظـُلِم

46.أو فانظروا الفتح القريب فقد أتى ‍
وعد من الرحمن فاصبر واستقمْ

***

* نــَهِي : من الوهى وهو الضعف

** الهلباوِ هو الهلباوي حذفت الياء لمناسبة الوزن


ابن الأزهر ومحبه
الشيخ
أبو أسماء الأزهري
كارم السيد حامد السروي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

:
طباعة