الغش.. خلق المفلسين



 



الغش.. خلق المفلسين





بقلم : نبيل
جلهوم
*



قد يجد الناظر من حولنا أنَّ أحوال كثير من الناس قد
تغيَّرت لدرجة أن أصبح
الغشُّ خُلُقًا ودَيدنًا ، لا يستغنون عنه في تعاملاتهم وتسيير أمور حياتهم ومعيشتهم .

ولقد وصل الغشُّ إلى شرائحَ كثيرة من المجتمع وصولاً ليست
له دلالةٌ سوى
أنَّ
صاحبه قد باع آخرتَه بدنيا عفنةٍ قذرة ، لن تطول كثيرًا ، ولن يجنيَ
في آخرته سوى الخُسران والضياع يوم لا
ينفعُ الندم
.

(
اللهم نجّنا وثبّتنا )..

(
وإنّا لله وإنّا إليه راجعون )..



نماذج من المُفلسين



التاجر :



فمن التجَّار من تجده يحلف الأيمان المغلَّظة في تجارته ،
وهو يعلم أنه
كاذب!
ومنهم من يَغشُّ في سلعته بخلطها بما يُفسد فائدتها ! ومنهم من يغشُّ
في تواريخ الإنتاج وتواريخ الصلاحية ! ومنهم
من يضع السلع الفاسدة بقاع
العبوة ثم يضع من فوقها السِّلع الصالحة المميزة في شكلِها وجمالها ! ومنهم من يخلِط مع العسل ماءً ! ومنهم، ومنهم
ومنهم
....

فيا تاجرًا غاشًّا في تجارتك ، اعلم أنك مفلسٌ ، فاتق
اللهَ ؛ فربُّك يراك وسيحاسبك ، ولن ينفعك ندم ولا تحسُّر
.



الموظف :

ومن الموظفين من يغشُّ كثيرًا ؛ تجده لا يتَّقي الله في
وظيفته ، يزوغ ،
ويُهمل ، ويحصُل على راتب يشوبه الكثير من الحرام ، يطلب من زملائه
التوقيع
بالحضور
، وهو لا يكون حاضرًا في دائرة عمله ، ومنهم من تجدهم لا يرقبون
في الله إلاًّ ولا ذمَّة ، لا يُهمهم : أَمِنْ
حلالٍ يأكلون ، أم في حرامٍ
يغوصون ؟! يظنون
أنَّها شطارة وفهلوة وذكاء، وهؤلاء والله إنما يغشُّون

أنفسهم، ويضحكون على أنفسهم قبل كونهم يغشُّون الله
وأصحاب مؤسساتهم ودوائر
أعمالهم .

أىُّ بركة ستحلُّ على رواتبهم ، وبأىِّ وجه سيقابلون ربهم
عند الحساب ؟
! ألا يعلمون أنَّ
من نبَت لحمه من حرام فالنار أولى به ؟! يتحالفون مع

الشيطان فيصلون به إلى حلبة من الصراع ، يتفوقون عليه
وعلى جنوده ؛ بل
ويتميزون ، أليس في هذا غشٌّ لجهة العمل، سواءٌ لأصحاب الأعمال بالقطاع الخاص أو المصالح الحكومية ؟!

أليس في هذا غشٌّ لنفسه وزوجه وبنيه ، فهو يطعمهم من
الحرام ويغذِّيهم من الحرام ، فأنَّى يُستجاب له ؟
!

فيا غاشًّا في عملك ووظيفتك ،
اعلم أنك مفلسٌ، فاتقِ الله ؛
فالغشُّ ظلمات وضياع للضمير، ومجلبة لعدم البركة.



الطالب:

وقد تجد الطالب الذي يقتنص من زميله في قاعة الاختبارات
الإجابة عَنْوة
وسرقة مع سبق الإصرار والترصُّد؛ لينجح على أكتاف المجتهدين المُتعَبين الذين لم يتركوا ليلة إلا وهم فيها
ساهرون ، ثم يفاجأ المسكين أنَّ ذلك
الآخر - الذي غشَّ منه - قد حصل على درجة أعلى منه، كيف ذلك ؟!

لا يدري، وإنا لله وإنا إليه راجعون!

فتكون النِّقمة على المُعلِّم الذي صحّح الاختبار ، وعلى
الطالب الذي
تفنَّن
في القنص بإبهار ، فتتأجَّج القلوب وتشتعل ، ولا حول ولا قوَّة إلا
بالله العظيم !

فيا طالبًا غاشًّا ، اعلم أنك مفلس.. فاتق الله ، فإن ما
حصلت عليه - قنصًا - سيكون إلى زوال ، فضلاً عن ضياع خُلُقك
.



المدَّعون للعلم والمعرفة :



وقد تجد فئةً من المدَّعين للعلم والمعرفة يقومون بسرقة
أبحاث غيرهم
ومقالاتهم
ودراساتهم ، ثم يُزيلون منها أسماءَ أصحابها ، وينسبونها لأنفسهم
، بلا ضمير ، بلا خجل ، بلا
حياء، بلا خوف من الله ! وهى فئة وشريحة كبيرة

جدًّا الآن ؛ خاصَّة على الشبكة الإنترنتية ؛ فكثر هؤلاء
الذين ينقُلون
المقالات
والبحوث والدراسات عن غيرهم، وينسبونها لأنفسهم، ولا يكلِّف أحدهم
نفسه أن يشير إلى أن المنشور قد تم نقله
عن فلان أو علاَّن ؛ إحقاقًا
للحق، وحفاظًا على حقوق مَن بحث وكتب ودرَس وألَّف ، ولا حول ولا قوة
إلا
بالله ! ضاعت
الضمائر، وعميت البصيرة والبصائر ؛ سعيًا وراء الرِّياء

والسمعة والشهرة ؛ حتى يقالَ عنهم : إنهم كُتَّاب وعالمون
ومثقفون
ومميَّزون .

فيا غاشًّا في العلم والمعرفة ، اعلم أنك مفلس، اتق الله
، وأعط كلَّ ذي
حقٍّ حقَّه ، وانسُب الفضل في العلم والمعرفة إلى صاحبه وأهله .

، واعلم أنَّ الله طيِّبٌ لا يقبل إلا ما كان
طيبًا ، وأْتِ بأسلوب راقٍ لا ضياع فيه لحقوق الغير
.



المُعلِّمون :

وقد تجد شريحةً من المعلِّمين والمعلمات لا يتَّقون الله
في الشرح وتبيين
الدروس لطلابهم ، فيتركون الغامض من الدروس ، ويعقِّدون السهل منها ؛
وذلك
من أجل مُساومة
الطلاب على أنَّ الفهم الصحيح والتحصيل الأكيد لن يكون إلا

بدرسٍ خصوصيٍّ ، بعيدًا عن ساحة المدرسة ، وقاعة الفصل
الدراسيِّ ، فيصبح
المعلم بذلك غاشًّا لله ورسوله ، غاشًّا للأمانة التي حمَّلها الله
إياه
: أمانة التعليم ،
وأمانة التربية ، وأمانة الجيل الذي يستطيع أن يساهم في

إخراجه على أحسن وجه وأطيب أثر , ولا يكون ذلك الغشُّ إلا
سببًا في ضياع
الضمائر
، وعثرةً كبيرة أمام أولياء الأمور الذين لا يستطيعون مُواكبة
الدرس الخصوصيِّ ومصاريفه ، ثم في
النِّهاية فإنَّ هذا الغشَّ يُخرج
للمجتمع - لا محالة - جيلاً ناقمًا على المعلمين ، الذين هم في الحقيقة
إذا
كانوا أمناءَ بحقٍّ
وعلى حق ، وعملوا بحق الأمانة، لكانوا والله كالرسل

تُقبَّل أقدامهم قبل أيديهم؛ فهم السِّراج ، ومعالم
الطريق القويم ، وشمس
الهداية لتلاميذَ يراد لهم غدٌ مشرقٌ ، وأن يكونوا جيلاً صالحًا منتجًا .

فيا معلِّمًا ، ويا معلمةً ، غاشًّا في عملك، اتق الله ؛
فالغشُّ ضياعٌ لتلاميذك ، ومجلبةٌ للنقمة ، ومحق للبركة من رزقك
!

خاتمة :

اللهمَّ إنك ناظرٌ إلينا ، حاضرٌ معنا ، قادرٌ علينا ،
أحطْتَ بنا سمعًا
وعلمًا وبصرًا ، فارزقنا أُنسًا بك وهيبةً منك ، وقوِّ فيك يقيننا ،
وبك
اعتصمنا فأصلح لنا
ديننا ، وعليك توكَّلنا فارزقنا ما يكفينا ، وبك لُذْنا

فَنَجِّنا مما يؤذينا ؛ أنت حسبنا ونعم الوكيل ، نعم
المولى ونعم النصير
.

وصلِّ اللهم على نبينا وقدوتنا محمَّد صلى الله عليه
وسلِّم وآله وأصحابه ، الصادق الأمين
.





*
عضو إتحاد الكتّاب والمثقفين العرب .



: 04-04-2012
طباعة