تفريغ الدرس الثاني عشر




بسم الله الرحمن الرحيم



اللقاء الثاني عشر من مادة التفسير





تفسير سورة الطارق

دورة : ما لا يسع المسلم جهله




لفضيلة الشيخ : محمود لطفي هاشم



معهد النصرة الشرعي

 http://alnosrah.org/ch/1.htm





بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف
المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا



 



تفسير سورة الطارق



فكما قلنا أن هناك مقسم ومقسم به
ومقسم عليه وأداة قسم، أما المقسم فهو الله سبحانه وتعالى الذي إن قال يصدق بلا
قسم، ولكن الله سبحانه وتعالى حينما يقسم فكأنه يريد أن يعظم المقسم به أي الأمر
الذي يقسم الله عز وجل ببيانه، وأما المقسم الله سبحانه وتعالى يريد أن يعظم الأمر
المقسم عليه، وأما المقسم به فهو السماء والطارق وأداة القسم والسماء والطارق،
قلنا أدوات القسم إما الواو وإما الباء والله وبالله وتالله ويمكن أن تكون بدون
أداة، كأن نقول آلله فهذا قسم بدون أداة قسم فيمكن للقسم أن يكون بالواو أداة
الواو ويمكن أن يكون بأداة الباء ويمكن أن يكون بالتاء ويمكن أن يكون بلا أداة، فالله
سبحانه وتعالى يقسم في هذه السورة ب"
وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ "الأداة هنا الواو، والسماء هي السماء المعروفة، العلو، إذا أقسم الله
عز وجل أو إذا حدثنا عن السماء، هكذا بدون تحديد بدون وصف، قلنا من قبل أن معناها
العلو، السماء معناها العلو فكل ما يعلو فهو سماء ولكن إذا وصفت السماء أو جمعت
كان معناها السبع الطباق، فإذا وصفت تحددت وإذا قيل السماء الدنيا تحددت، السماء
الثانية تحددت ، كان المقصود بها واحدة من السبع الطباق السماء السابعة بذلك تحددوا،
إذا قلنا السماوات هكذا بالجمع إذن نقصد السبع الطباق، لكن لو قلنا السماء هكذا
بلا تحديد وبلا جمع يكون معناها العلو، فالله تعالى يقسم بالسماء، يعني العلو، فقد
أقسم الله سبحانه وتعالى بالسماء هنا فيعني السماء العلو
وَالطَّارِقِ" فأقسم بالسماء وأقسم بالطارق ثم فسر الطارق حتى لا يحتاج الأمر إلى
تفسير، فالله سبحانه وتعالى بينه فقال "
النَّجْمُ الثَّاقِبُ "فالنجم الثاقب هنا بيان وشرح وتفسير للطارق{ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2)
النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) }
أي الطارق هو النجم
الثاقب، ما هو النجم الثاقب؟ يقول المفسرون النجم الثاقب يعني النجم المضيء، والمضيء
هنا هو الذي يثقب ضوؤه السماء، السماء يعني العلو يعني لا يخترق السماء، قلنا السماء
هنا بمعنى العلو فالنجم يضيء العلو يضيء مكانه في علوه ف
النَّجْمُ الثَّاقِبُ "يعني النجم المضيء، يعني الذي يضيء فيخترق نوره السماوات يخترق نوره
السماء يعني العلو، ثم يرى هذا النور في الأرض يعني من على الأرض ينظر فيرى ضوء
ونورا هذا النجم الساطع في سمائه يعني في علوه، النجم هنا ليس نجما محددا فكل
النجوم مضيئة، فالمقصود هنا بكلمة النجم ليس نجما بعينه وإن ذهب بعض المفسرين إلى أنه
نجما بعينه لكن لا دليل على ذلك فالنجم هنا معناه النجوم لأنه قد يؤتى بالمفرد
ويقصد به الجنس كقوله سبحانه وتعالى:" وجاء ربك والملك صفا صفا" الملك لا
يقصد به ملك واحد لأنه كيف يأتي ملك واحد ويأتي صفا صفا، إنما معناه الملائكة فقد
يؤتى بالمفرد ويقصد به جنس المخاطب به أو جنس المتكلم عنه فنقول الملك نتكلم عن
الملك ونقصد الملائكة، هنا أيضا نقول النجم ونقصد النجوم هنا النجم الثاقب جنس
النجم الثاقب فالنجوم كلها مضيئة في السماء ويقسم الله عز وجل بها فما المقسم
عليه؟ المقسم عليه خبر يعني الله عز وجل يخبرنا بعدما أقسم على إن كل نفس جعل الله
تعالى عليها حافظا يحفظ أعمالها كما قال الله عز وجل " عن اليمين وعن الشمال
قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" فالله تعالى يقسم في هذه السورة ليؤكد
لنا أن كل نفس عليها حافظ أي عليها من يحفظ عليها أعمالها ملك عن اليمين وملك عن
الشمال كل يحفظ ما كلف بحفظه ثم تجازى هذه الأنفس يوم القيامة بهذه الأعمال ثم
تنقلنا السورة بعدما بين الله تعالى لنا المقسم عليه وهو الخبر الله تعالى يخبرنا إنه
وكل من يحفظ الأعمال فإنه بين بعد ذلك أن قدرته على ذلك كقدرته سبحانه وتعالى على
خلق الإنسان خلقا عجيبا، فقدرة الله عز وجل تشمل هذا وذاك، فقدرته على حفظ الأعمال
كقدرته على خلق الإنسان، أو قدرته على جعل على كل نفس من يحفظ عملها كقدرته تعالى
على أصل خلق الإنسان فقال تعالى:"
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ " لأنه قد يكذب أحد ولا سيما الكفار طبعا هم غالبا الذين يكذبون
فيقولون كيف إن الله تعالى يضع على كل نفس حافظا ويستحيلون ذلك، فالله سبحانه
وتعالى أحالهم وأحالنا وأحال الجميع إلى قدرته على خلق الإنسان فبين سبحانه وتعالى
ذلك بقوله:"
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ
مِمَّ خُلِقَ "
أي فليتدبر من أي شيء خلق "خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ " ثم بين سبحانه وتعالى أن هذا الماء الدافق يخرج من الإنسان
من صلبه وترائبه الصلب هو عظم في ظهر الإنسان والترائب عظام الصدر فكان هذا الماء
يركب  ما بين الصلب والترائب بعض أقوال أهل
العلم أنه صلب الرجل وترائب المرأة وبعضهم يقول أنه صلب الرجل وترائب الرجل وربما
يكون هذا أولى لأن الله تعالى يتحدث عن الماء الدافق والماء الدافق هنا هو ماء
الرجل وبالتالي يكون من صلب الرجل وترائب الرجل يقول عزّ وجل"
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ " ثم يبين إن هذا الإنسان الذي خلق هذا الخلق العجيب  أنه راجع إلى ربه عز وجل يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى
رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) "
يعني
أن هذا الإنسان الذي خلق من هذا الماء يفنى بعد ذلك ثم يعاد للبعث والنشور بعض أهل
العلم نسل الرجع أو الرجعة إلى هذا الماء الدافق ولكن لا محل لهذا القول المحل لأن
الإنسان هذا كله الذي خلق من هذا الماء يأتي إلى الدنيا ثم يفنى تقدير الكلام أن
الإنسان خلق من هذا الماء ثم جاء إلى الدنيا ثم يفنى ثم يرجع إلى ربه عز وجل بعد
هذا الفناء وهذا الإيضاح موجود في مواطن أخر من القرآن الكريم ثم بين سبحانه وتعالى
أن هذا اليوم وهذا تكملة للكلام يؤكد هذا المعنى أن المقصود بالرجعة تكون للإنسان
وليس للماء فقال سبحانه وتعالى: "
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ " تبلى يعني تفشى وتعلن ما كان مختفيا في الدنيا ويخبئه الإنسان في
قلبه وبين جنبيه  يأتي يوم القيامة ويعلن
ويفشى على الخلائق أو على الأشهاد الله تعالى قادر على إخراج ما خفي " فإنه
يعلم السر وأخفى"
يَوْمَ تُبْلَى
السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)"
أي ليس لهذا الإنسان من قوة ذاتية يدفع بها عن نفسه" وَلَا نَاصِرٍ " من خارجه القوة تكون ذاتية والناصر يكون من خارج الإنسان فلا قدرة له
ذاتية ولا ناصر له من خارجه ينتصر به يومئذ ثم يقسم الله عز وجل مرة ثانية "
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ " السماء قلنا طالما جاءت بالإفراد معناها العلو والسماء ذات الرجع
فيقسم الله عز وجل بالعلو الذي يرجع منه المطر لأن الماء إذا تبخر صعد إلى السماء،
السماء يعني إلى العلو ليس إلى السماء الدنيا الأولى من الطباق المعروفة إنما يصعد
إلى علو ثم يرجع مرة ثانية في صورة مطر إلى الأرض فيقول الله عز وجل "
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ " أي التي يرجع الماء منها إلى الأرض في صورة المطر وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ" السماء ذات الرجع التي يرجع منها المطر إلى الأرض ثم يقسم بالأرض ذات
الصدع التي تستقبل هذا الماء تتصدع فتنشق تربتها فيخرج منها النبات فهذه هي الأرض
ذات الصدع أي التي تتصدع وتتشقق فيخرج منها النبات
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ
"
الله عز وجل هنا أيضا يقسم فهناك مقسم ومقسم به ومقسم
عليه وأداة القسم أيضا كما بينا في أول الصورة فالأرض تتصدع فيخرج منها النبات
وتتصدع أيضا أي تنشق ويخرج منها الأموات وتتشقق فتخرج ما في باطنها فهذه طبيعة الأرض
أنها تتصدع وتتشقق لأي غرض من هذه الأغراض التي ذكرنا ثم يبين الله عز وجل المقسم
عليه فيقول: "
إِنَّهُ لَقَوْلٌ
فَصْلٌ"
أي أن هذا القرآن قول فصل يعني حق
وصدق يفصل في الأمور إنه لقول فصل أي القرآن
وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ " يعني هو جد لا هزل فيه كل كلمة فيه جد ثم بين الله سبحانه وتعالى شأن
المكذبين بالرسول صلى الله عليه وسلم المكذبين بالقرآن فيقول يعني رغم أن هذا
القرآن فصل وهو جد ليس بالهزل إلا أن هؤلاء المكذبين يكيدون كيدا يعني يتناولون
الحيل والمكائد ليدفعوا هذا الحق ويبطلوا هذا القرآن
"إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) "والله عز وجل مقابل ذلك يكيد كيدا "وَأَكِيدُ كَيْدًا" ليظهر هذا الحق كما بين الله تعالى في قوله" يريدون ليطفئوا نور
الله بأفواههم يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" فالله عز وجل يكيد
ويبين هذا الحق ليكون حجة على الناس ولو كره الكافرون ثم يختم الله عز وجل بهذا
القول : "
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ
أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا "
الكافرون
الذين يكيدون لهذا الحق لإبطاله ولمحوه. الله عز وجل يتوعدهم بقوله
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ يعني أمهلهم اتركهم فإنه يوما ما سوف يأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز
مقتدر "
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ
رُوَيْدًا" 
وهذا تهديد ووعيد تختم به هذه السورة



وأقول قولي هذا واستغفر الله لي
ولكم. 
            





: 23-11-2013
طباعة