بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس والثلاثون في اللغة
العربية
أسلوب التعجب
تعريفه
:
تعبير كلامي يدل على الدهشة والاستغراب ، عن الشعور الداخلي للإنسان عند
انفعاله حين يستعظم أمرا نادرا ، أو صفة في شيء ولا تَعْرِفُ سَبَبَهُ .
ما أعظم التضحية ، وأعظم بالفضيلة .
وما أجمل السماء ، وأجمل بالسماء .
{ فما أصبرهم على النار }ـ 175 البقرة ..
أنواع الأساليب التعجبية :
للتعجب صيغ كثيرة منها السماعي ، ومنها القياسي
أ
ـ ما : نكرة تامة بمعنى " شيء " ، ولكنه شيء عظيم ، فهي في قوة الموصوفة
، لذلك صح الابتداء بها .
ب
ـ فعل التعجب : فعل ماض جامد لا يتصرف ، مثله مثل بقية الأفعال الجامدة "ليس،
وعسى، ونعم، وبئس"، وغيرها .
فإذا
دخلت عليه نون الوقاية تقول: ما أكرمني، وما أحوجني إلى المساعدة. وما أفقرني إلى
عفو الله.
وفيه
ضمير يعود على " ما " التي هي أداة التعجب، والجملة كلها بعد " ما
" في محل رفع خبر.
ج
ـ المتعجب منه : وهو الاسم المنصوب الواقع مفعولا به بعد فعل التعجب: ما أروعه .
ما أجبن العدو ، ما أقبح النفاق.
فالضمير
هاء الغائب ، والعدو ، والنفاق كلها ألفاظ متعجب منها ، وقد جاء مكملة للجملة
الفعلية ، وحكمها النصب دائما على أنها مفاعيل بها .
أفعل
به : وتتكون هذه الصيغة أيضا من مكونات ثلاثة هي:
فعل
التعجب ، والباء ، والمتعجب منه .
أ
ـ فعل التعجب : هو فعل ماض مبني على السكون ، جاء على صيغة الأمر .
إن
لفعل التعجب " أفعل " صورتين هما:
1
ـ أن يعرب هو نفسه على أنه فعل أمر مبني على السكون .
2
ـ أن يعرب ما بعده على تقدير أنه فعل ماض .
ب
ـ الباء : حرف جر زائد ، والاسم المتصل بها مجرور لفظا مرفوع محلا على لأنه فاعل .
ج
ـ المتعجب من : وهو الاسم المتصل بحرف الجر الزائد لذلك يعرب مجرورا لفظا ، مرفوعا
على المحل لأنه فاعل لفعل التعجب باعتباره فعلا ماضيا .
ويقال
إن الهمزة في الأفعال الماضية تقديرا للصيرورة ، فإذا قلنا :
أعذبْ
بالقرآن أدبا وتهذيبا . كان أصلها تقديرا :
أعذبَ
القرانُ أدبا وتهذيبا . ومعناها : صار القرآن ذا عذب أدبا وتهذيبا .
أجملْ
بالطبيعة ماءً وخضرة . كان أصلها : أجملَ الطبيعةُ ماءً وخضرة .
ومعناها
: صارت الطبيعة ذا جمالٍ ماءً وخضرة .
شروط
التعجب بصيغتي ما أفعله ، وأفعل به .
أولا
ـ يتم التعجب من الفعل مباشرة بالشروط الآتية :
1
ـ إذا كان الفعل ثلاثيا ، مثل جَمُلَ ، وكرم ، وحسن ، وطيب ، وضرب ، وكفر .
2
ـ أن يكون تاما غير ناقص ، فلا يكون من أخوات كان ، أو كاد ، أو ما يقوم
مقامها .
3
ـ مثبتا غير منفي، فلا يكون مثل: ما علم، ولا ينسى، ولا يخشى، ولم يفعل.
4
ـ أن يكون مبنيا للمعلوم.
5
ـ أن يكون تام التصرف، غير جامد ، فلا يكون مثل: نعم وبئس، وليس، وعسى ونحوها .
6
ـ قابلا للتفاوت أي: أن يصح الفعل للمفاضلة بالزيادة والنقصان، فلا يكون مثل:
مات ، وغرق ، وعمى ، وفني...
7
ـ ألا يكون الوصف منه على وزن "أفعل فعلاء"، مثل: عرج، وعور، وحمر... فالوصف
من الألفاظ السابقة على وزن أفعل ومؤنثه فعلاء فنقول : أعرج عرجاء ، وأعور عوراء ،
وأحمر حمراء.
فإذا
استوفى الفعل الشروط السابقة تعجبنا منه على الصيغتين المذكورتين مباشرة أي:
بدون وساطة.
ما أطيب الهواء . وأطيب بالهواء .
وما أعذب الماء. وأعذب بالماء .
{ قتل الإنسان ما أكفره }17 عبس
السابقة يجوز التعجب من
الأفعال التي لا يصح التعجب منها مطلقا إذا أريد بها معنى غير المعنى الحقيقي الذي
جرت العادة على استعماله ، كالفعل " مات " .
نقول
: ما أموت الرجل . إذا أريد بالموت معنى البلادة . ثانيا ـ أما إذا افتقد الفعل
شرطا من الشروط يصح أن نتعجب منه بوساطة
على
النحو التالي :
1
ـ إذا كان الفعل زائدا على ثلاثة أحرف ، مثل دحرج ، وبعثر ، وانتصر ، وانكسر ،
واستعمل ، واستعان .
2
ـ أو كان ناقصا غير تام ، مثل : كان ، وأصبح ، وأضحى ، وكاد وأوشك .
3
ـ أو كان الوصف منه على وزن أفعل فعلاء ، وذلك فيما دل من الأفعال على لون ، أو
عيب ، أو حلية مثل : أصفر ، وأعور ، وأهيف .
فإننا
نتعجب من الأفعال السابقة وما شابهها بصورة غير مباشرة ، وذلك بأن نستعين بأفعال
مساعدة مستوفية للشروط التي ذكرناها في الفعل الثلاثي ، ونأخذ منها صيغة " ما
أفعله ، أو أفعل به "، ثم نأتي بمصدر الفعل الذي نريد التعجب منه سواء أكان
المصدر صريحا ، أم مؤولا .
ومن
الأفعال المساعدة على وزن ما أفعله : ما أجمل ، ما أعظم ، ما أحسن ، ما أكبر ، ما
أصغر ، ما أشد ، ما أكثر ، ما أحب .
ومنها
على وزن أفعل به : أجمل به ، وأعظم به ، وأحسن به ، وأكبر به ، وأصغر به ،
وأشدد به ، وأكثر به ، وأحبب به .
كيفية عملية التعجب
:
1
ـ الفعل المستوفي الشروط . مثل : كرم ، نقول : ما
أكرم العرب . وأكرم بالعرب .
الفعل المزيد: مثل: تدحرج، استعمل، استعان. لا
يصح التعجب من الأفعال السابقة مباشرة ، وللتعجب منها نتبع الآتي :
نأتي
بفعل مساعد على الصيغة المطلوبة وليكن الفعل : أعظم ، ثم ، نأتي بالمصدر الصريح ،
أو المؤول من الفعل
ويتم
تركيب الجملة:
ما أعظم تدحرج هذه الصخرة . ما أعظم أن تتدحرج هذه الصخرة .
وأعظم بتدحرج هذه الصخرة . وأعظم بأن تتدحرج هذه الصخرة .
3
ـ الفعل الناقص مثل: كان، وأصبح، وكاد.
نتبع
في التعجب منه ما اتخذناه مع الفعل المزيد: ما أجمل
إصباح السماء صافية . وما أجمل أن تصبح السماء صافية .
وأجمل بإصباح السماء صافية . وأجمل
بأن تصبح السماء صافية .
4
ـ وكذلك إذا كان الوصف من الفعل على وزن أفعل فعلاء ، تعجبنا منه بوساطة الفعل
المساعد ، والمصدر الصريح ، أو المؤول من الفعل الذي نريد التعجب منه .
ومن
الأفعال التي يكون الوصف منها على أفعل فعلاء :
وعند
التعجب من تلك الأفعال نقول :
ما أشد حمرة البلح . وما أشد أن يحمر البلح .
وأشدد بحمرة البلح . وأشدد بأن يحمر البلح .
5
ـ وإذا كان الفعل مبنيا للمجهول ، أو منفيا ، تعجبنا من بوساطة الفعل المساعد
والمصدر المؤول فقط من الفعل الذي نريد التعجب منه .
والفعل
المبني للمجهول مثل: ما أعظم أن يُقال الحق . وأعظم
بأن يقال الحق .
والفعل
المنفي: ما أجمل ألاّ ينسى الرجل وطنه . وأجمل بألاّ
ينسى الرجل وطنه .
6
ـ وإذا كان الفعل غير قابل للتفاوت ، أو جامدا فلا يصح التعجب منه مطلقا .
لأن
الفعل إذا كان معناه غير قابل للتفاوت فإنه لا يصلح للمفاضلة بين الشيئين لا
بالزيادة ، ولا بالنقصان ، ولأن الفعل الجامد لا يتصرف ، وما لا يتصرف لا نستطيع أن
نأخذ من الصيغة المطلوبة .
العلاقة بين مكونات صيغتي التعجب :
الأصل في صيغتي التعجب مجيئهما على الترتيب فلا يتقدم عليهما معمولهما، كما لا يصح
أن يفصل فاصل بين " ما " وفعل التعجب ، ولا بين فعل التعجب والمتعجب منه
.
غير
أن هناك بعض الاستدراكات وهي على النحو التالي :
1
ـ يجوز الفصل بين " ما " التعجبية وفعل التعجب بـ " كان "
الزائدة : ما كان أصبر المناضلين على أذى اليهود .
وما كان أقوى شعبنا إذا وحّد صفوفه
من جديد .
2
ـ جواز الفصل بين فعل التعجب والمتعجب منه بالجار والمجرور: "ما أحسن بالرجل أن يصدق ، وما أقبح به أن يكذب .
3
ـ جواز الفصل بين فعل التعجب والمتعجب منه بالظرف: ما
أقوى لحظة الفراق المؤمن على الصبر .
وما أفضل بعد الصلاة الدعاء .
4
ـ يجوز الفصل بين فعل التعجب والمتعجب منه بالنداء: ما
أنبل يا محمدُ أخلاقك.
التعلق
بفعل التعجب :
1
ـ إذا تعلق بفعل التعجب مجرور هو فاعل في المعنى جُر بإلى ، لا يكون ذلك إلا في حب
، أو بغض: ما أحب الصادق إلى قلبي وما أبغض الكاذب
إلى نفسي .
فالمجرور
بإلى في الجملة الأولى كلمة " القلب " وهو الفاعل في المعنى، لأنه هو
الذي يحب الصادق .
والمجرور
في الجملة الثانية كلمة " النفس " وهو الفاعل في المعنى ، لأنه هو الذي
يبغض الكاذب .
2
ـ إذا تعلق بفعل التعجب مجرور هو مفعول به في المعنى جر باللام: ما أحب المثقف للقراءة .
وما أبغض المخلص للخيانة .
فالقراءة
في المثال الأول مفعول به في المعنى ، لأن المثقف يحبها .
والخيانة
في المثال الثاني مفعول به في المعنى ، لأن المخلص يبغضها .
3
ـ وإذا كان الفعل الذي تريد أن تتعجب منه يدل على علم، أو جهل، أو ما في معناهما
جررت المفعول به بالباء: ما أعلمه بأحوال الشعوب وما
أعرفه بالحق وما أبصره بالدين .
والأصل
: يعلم أحوال الشعوب ، ويعرف الحق ، ويبصر الدين .
4
ـ إذا كان فعل التعجب متعديا في الأصل بحرف الجر ، أبقيت مفعوله مجرورا ، ويبقى
الاستعمال كما هو:
ما أقساني على الخائن وما أرضاني عن المخلص وما أشد تمسكي بالصدق
وما أسرع استجابتي إلى الحق .
والأصل:
أقسو على الخائن، وأرضى عن الحق وأتمسك بالصدق وأستجيب إلى الحق .
5
ـ لا يجوز حذف حرف الجر في صيغة " أفعل به " ، إلا إذا كان المتعجب منه
مصدرا مؤولا مسبوقا بأنْ ، أو أنّ : أحبب إلى أسرتي
أن أتفوق .
وإعرابها
: أحبب : فعل ماض جامد مبني على السكون جاء على صورة الأمر .
إلى
أسرتي : جار ومجرور متعلقان بالفعل أحبب .
أن
أتفوق : أن حرف مصدري ونصب ، أتفوق فعل مضارع منصوب بأن ، وعلامة نصبه الفتحة ،
والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا ، والمصدر المؤول في محل رفع فاعل أحبب .
والأصل : أحبب إلى أسرتي بأن أتفوق: ما أحرى بالطالب
أن يكون مجتهدا .
وأخلق بالمعلم أن يكون قدوة لطلابه .
أساليب التعجب السماعية:
تُفْهَمُ
من خلالِ دلالةِ الكلامِ ، ومن خلالِ المواقِف التي تُستَخْدَمُ فيها، إلا أنها لا
تَخضعُ لمعاييرَ مُوحّدَةٍ تَنْطَبقُ عليها، أو على أَغْلَبِها، لكنّ دلالتها على التعجبِ
تُفْهَمُ من خلالِ قَصْدِ المُتَكلمِ ومن خلالِ قرائنَ – أدلةٍ – تُفْهَمُ من الموقفِ
المُحدّدِ، ومع أنَّ هذه التعابير، تدلُ على
التعجبِّ في بعضِ الاستعمالاتِ اللغويةِ، إلا أنّها لا تتخصَصُ في الدلالةِ على التعجبِ
وحدَهُ ، لأنّها تَنْصَرِفُ إلى الدلالةِ على معانٍ أخرى فدلالتُها على التعجبِ آنيةٌ
وغيرُ قياسيةٍ . ومن تلك الأساليب:
1
ـ استعمال المصدر " سبحان " مضافا إلى لفظ الجلالة لإظهار التعجب
والدهشة .
سبحان الله .
فسبحان الله بلفظها ومعناها وضعت أصلا للدعاء والعبادة، ثم استخدمت
في التعجب على غير الأصل .
ومنه قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " سبحان الله ! إن المؤمن لا ينجس حيا ، ولا
ميتا " .
ومنه قولهم : لله دره فارسا . أو : لله دره من فارس .
ما ورد عن العرب قولهم: " لله أنت من رجل
" .
فالنسبة
المخاطب لله لا تدل على التعجب ، ولكن لورود هذا الأسلوب غالبا في مواقف الإعجاب
والدهشة أفاد معنى التعجب .
3
ـ الاستفهام الذي تضمن معنى التعجب: { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم }ـ 28 البقرة .
فكلمة
" كيف " بلفظها ومعناها تفيد في الأصل الاستفهام ، ولكنها في هذا المقام
دلت على التعجب دلالة عارضة على سبيل المجاز .
5 ـ استعمال اسم فعل الأمر واها
4
ـ استعمال صيغة النداء " وهو ما يعرف بالنداء التعجبي: وهو يجري مجرى أسلوب
الاستغاثة مع فارق في المعنى .
يتكون
النداء التعجبي من " يا " التي هي حرف نداء وتعجب ، ولا يستعمل غيرها من
أحرف النداء لهذه الغاية ، ومن المنادى المتعجب منه على أن يكون مجرورا باللام
المفتوحة ، وقد تحذف تلك اللام أحيانا ، وله ما للمنادى من أحكام إعرابية : يا لَهدوء البحر ، ويا لصفاء السماء ، ويا لرقة الهواء . يا
للهول ، ويا للفاجعة .
|