منح الكريم المجيد في أحكام وآداب العيد

 منح الكريم المجيد في أحكام وآداب العيد

كتبه : الشيخ محمد عبدالله الشيخ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه واستن بسنته وسار على طريقته إلى يوم أن نلقاه .

 أما بعد

جعل الله -تعالى- للمسلمين عيدين، هما عيد الفطر، وعيد الأضحى، يأتيان بعد أداء فريضتين من فرائض الإسلام، فيأتي عيد الفطر بعد فريضة صوم رمضان، ويأتي عيد الأضحى بعد أداء فريضة الحج، وأعياد المسلمين تعبر عن فرحتهم وسعادتهم بما أكرمهم الله به من توفيق وإعانة لهم على الطاعة، قال تعالى:

{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} [يونس: 58].

ومن الآداب التي نراعيها في أعيادنا:

1- الغُسل والتطيب ولبس أجمل الثياب: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس عند الخروج إلى صلاة العيد أجمل ثيابه،

فعَنِ الْحَسَنِ بن عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- ، قَالَ : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدِ مَا نَجِدُ ، وَأَنْ نُضَحِّيَ بِأَسْمَنِ مَا نَجِدُ ، الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْجَزُورُ عَنْ عَشَرَةٍ ، وَأَنْ نُظْهِرَ التَّكْبِيرَ وَعَلَيْنَا السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ ".

[المعجم الكبير للطبراني/2690] [الحاكم/7560 - قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ بَرْزَخٍ : لَوْلَا جَهَالَةُ إِسْحَاقَ هَذَا لَحَكَمْت لِلْحَدِيثِ بِالصِّحَّة].

2- الأكل قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر: فمن السنة أن يأكل المسلم تمرات وترًا قبل الذهاب إلى صلاة عيد الفطر، ويؤخر الأكل حتى يرجع من الصلاة في عيد الأضحى؛ فيأكل من أضحيته إن كان قد ضحَّى، فعن بريدة -رضي الله عنه- قال: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ ، وَلا يَأْكُلُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِه.

(صحيح) [الترمذي/542] [ابن ماجة/1754]

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : قال : « كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكلَ تَمَرات ، ويأكلُهنَّ وِتْرا ».

[أخرجه البخاري/910].

وفي رواية الترمذي : « أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يفطر على تمرات يوم الفطر ، قبل أَن يخرجَ إِلى المُصلَّى ».

 (صحيح) [الترمذي/543]

 

3- التبكير في الذهاب إلى المصلَّى: المسلم يستيقظ في يومي العيد مبكرًا نشيطاً، فيصلي الفجر، ثم يخرج إلى مصلى العيد، خاصة في يوم عيد الأضحى،

فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ :« إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّىَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا ».

[البخاري/ 5225].

4- الصلاة في الخلاء: من السنة أداء صلاة العيد في الخلاء والأماكن الفسيحة، ما لم يكن هناك عذر كمطر أو نحوه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في صلاة العيد إلى الخلاء (المصلَّى). ولم يصلِّ النبي صلى الله عليه وسلم العيد بمسجده إلا مرة واحدة لنزول المطر، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: أصاب الناسَ مطرٌ في يوم عيد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم في المسجد. (ضعيف)[ابن ماجه/1313].

5- خروج النساء والصبيان: يستحب خروج النساء والصبيان في العيدين للمصلى؛ فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ ، وَالْحُيَّضَ فِي الْعِيدَيْنِ : يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى } . [البخاري/931].

6- تأخير صلاة عيد الفطر وتعجيل صلاة عيد الأضحى: وذلك حتى تصل الزكاة للفقير قبل عيد الفطر، فيسعد بها هو وأبناؤه، ويُعَجَّل بصلاة عيد الأضحى، حتى يتمكن الناس من ذبح أُضحياتهم.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عيد الفطر بعد الشروق بنحو عشرين دقيقة، ويصلي الأضحى بعد الشروق بنحو عشر دقائق تقريبًا.

7- عدم الأذان أو الإقامة لصلاة العيدين: فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ.

[مسلم/2088][الترمذي/532].

8- عدم الصلاة قبل صلاة العيد أو بعدها: صلاة العيد ليس لها سنة قبلها أو بعدها، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه –رضي الله عنهم- يصلون إذا ذهبوا إلى المصلى شيئًا قبل صلاة العيد ولا بَعدها.

فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فِطْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا [البخاري/921، 5544] [مسلم/2094].

9- الجلوس لاستماع الخُطبة بعد الصلاة: فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به هو الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. [البخاري/920] [مسلم/2089]

وعن ابْنَ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- يَقُولُ خَرَجْتُ مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ. [البخاري/932].

10- المصافحة والتهنئة: إذا انتهى المسلمون من أداء صلاة العيد، فعليهم أن يبادروا بالتصافح والتسليم وتبادل التهنئة، فقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد، يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك.

فعَنِ الْبَرَاءِ -رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا ».

(صحيح)0 [أبوداود/5212] [الترمذي/2727] [ابن ماجة/ 3703]

11- الرجوع من طريق آخر: المسلم يرجع إلى بيته -بعد أداء صلاة العيد- من طريق مخالف لطريق الذهاب، وذلك لتشهد له الملائكة، ويأخذ الأجر باتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه

فعَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ)

 [البخاري/ 943]

ويجوز الرجوع من نفس الطريق، وإن كانت مخالفته أفضل.

12- صلة الأرحام: فذلك من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أمرنا بصلة الأرحام والأقارب وزيارتهم وتهنئتهم بالعيد،

فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ». [البخاري/5640][مسلم/6688]

 وإن كانت صلة الأرحام واجبة على طول العمر دائماً في غير أيام العيد، فهي في العيد أولى.

13- العطف على الفقراء واليتامى: المسلم يكثر من الصدقة والإنفاق على الفقراء والمساكين، ويمسح دموع اليتامى، ويحسن إليهم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج زكاة الفطر إلى الفقراء والمستحقين قبل خروج الناس إلى صلاة العيد

عَنِ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ وَقَالَ « أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ».

[الدارقطني/2157].

14- اللعب واللهو المباح: لا يمنعنا ديننا السمح من الترويح عن النفس، ومنحها البهجة والسرور،

فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ : قَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ } . (صحيح) [أبوداود/1134]

وعَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ(هي حرب كانت بين الأوس والخزرج قبل الإسلام) قَالَتْ وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَبِمُزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا ».

[البخاري/909] [مسلم/2098]

15- عدم الصوم: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيام يومي العيد سواء أكان الصوم فرضًا أم تطوعًا،

فعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ، قَالَ : شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ –رضي الله عنه-  فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ، ثُمّ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ : أَمَّا يَوْمُ الأَضْحَى ، فَتَأْكُلُونَ مِنْ نُسُكِكُمْ ، وَأَمَّا يَوْمُ الْفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ)

(صحيح) [أحمد/165، 229] [أبوداود/2416] [ابن ماجة/1722]

كما يكره صيام أيام التشريق -وهي الأيام الثلاثة التي تلي عيد الأضحى (ثاني وثالث ورابع أيام عيد الأضحى المبارك)

16-  التكبير في أيام العيدين: من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يكثر من التكبير في يومي العيدين وفي الأيام الثلاثة التي تلي عيد الأضحى، وهي تسمى: أيام التشريق، حتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق وهو رابع أيام العيد.

ومن صيغ التكبير: (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد) .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود –رضي الله عنه- "أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ صَلاةَ الْغَدَاةِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَقْطَعُ صَلاةَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، يُكَبِّرُ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ"، قَالَ: "وَكَانَ يُكَبِّرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ".

[ المعجم الكبير للطبراني/9423] [مصنف ابن أبي شيبة/5633]

فما أجمل الإسلام الذي حرص على أن يُدخل الفرحةَ والبهجةَ على المسلمين ! فجعل لهم عيدين، يسعدون بهما ويفرحون، وفي هذين اليومين يتصافى المسلمون جميعًا، ويسعدون ويفرحون .

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .

: 29-08-2011
طباعة