فضل الدعوة إلى الله

فضل الدعوة إلى الله

 

بقلم /أ. لولوه الوابل .

 

أهل الدعوة إلى الله هم خيرة الناس ,وكلف الله هذه الأمة رجالاً ,ونساءً أن يأتمروا بالمعروف ويتناهوا عن المنكر لئلا يهلكوا؛ فإن الله لعن بني إسرائيل ومقتهم عندما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}[سورة المائدة:87]

 ثم أثنى الله على هذه الأمة ومدحها بأنها خير أمة أُخرجت للناس فقال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ[آل عمران: آية110] ,وقال تعالى{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [ آل عمران: آية104], ومن هذا فإنه يجب على المسلمة أن يكون لها جهوداً في الدعوة إلى الله ,وحب الخير للناس لتنال هذه الخيرية من دافع حبها للخير لهذه الأمة, ولتعلم هذه الداعية أن مهمتها هي مهمة صفوة الخلق أنبياء الله ؛فلذلك وجب عليها أن تتعرف إلى أساليب الدعوة, وأن تكون على بصيرة بما تدعوا إليه قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.[ سورة يوسف: آية 108]

إن مهمة رسل الله هي أفضل مهمة على وجه الأرض ,وهي إخراج الناس من الظلمات إلى النور, ومن الضلالة إلى الهدى ,ومن العذاب إلى النعيم المقيم إلى الحياة الأبدية السرمدية إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ,ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد خالقهم وفاطرهم, وأكرمهم بعبوديته سبحانه ؛فهي أكرم الصفات والترفع عن حقارة الدنيا إلى نوره تعالى وصراطه المستقيم.

جاء محمد صلى الله عليه وسلم إلى قوم يعبدون الأحجار, والأشجار أمة أمية فسادوا العلم بأكمله عندما نوَر الله بصائرهم ,وزكى نفوسهم, ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أضحك من نفسي عندما كنت أصنع صنماً من التمر أعبده فإذا جعت أكلته, وأبكي عندما أتذكر أني وأدت بنتي وكانت تنفض التراب عن لحيتي وأنا أحفر حفرة لأدفنها فيها.

أرأيتم كيف نور الله بصيرة الفاروق بعد ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مارواه البخاري بإسناده إلى حمزة ين أسيد الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينا أنا نائم أُتى إليَّ بقدح لبن فشربت حتى إني أنظر إلى الري يخرج من أظفاري ثم ناولت فضلي عمر". قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "العلم"صحيح, ومن المعلوم أن رؤيا الأنبياء حق.

وما رواه الشيخان من حديث سعيد الخدري قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(بينا أنا نائم رأيت الناس يُعرضون عليَّ وعليهم قُمُص منها ما يبلغ الثدي ومنه دون ذلك وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره" قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "الدين").صحيح

أرأيتم هذا الذي كان في الجاهلية يعبد الصنم فإذا جاع أكله, ويدفن ابنته, وهي حية كيف ارتقى بعد أن هداه الله وزكاه رضي الله عنه ,وعن صحابة نبينا أجمعين.

كيف تكون الدعوة إلى الله:-

قال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [ النحل: آية 125 ], لنقف مع هذه الآية العظيمة, وقفات حيث تبدأ الداعية الدعوة إلى الله بالتدرج بحسب حالة المدعوين فإن كانوا أهل جهل وضلال وشركيات فتبدأ بدعوتهم إلى التوحيد؛ فهذا منهج الرسل جميعهم ,وتبين لهم خطر الشرك وأنه لا يقبل معه عمل وتبين لهم الحق علماً وعملاً, وتتعامل معهم باللين ,والرفق ,والعفو عن المسيء ,والحلم عن الجاهل, والبدء بالأهم فالأهم وبالأقرب إلى الفهم .

ثم تكون الدعوة بالموعظة الحسنة ,واستخدام أسلوب الترغيب والترهيب، وهذا الأسلوب يستخدم مع القابل للحق المعترف به, ولكنه عنده بعض الأخطاء والغفلة ويحتاج إلى الموعظة بالتي هي أحسن ثم يستخدم ما ورد في الآية ,وهو المجادلة بالحق ويكون مقصد الداعية بيان الحق, وليس الاستعلاء على الآخرين ,والانتصار للنفس, والعُجْب وحب الظهور, فتلك من نزغات الشيطان؛ بل يبين الحق بتواضع ,وحب الخير للناس, وبحسن الخلق, واللطف واللين,وإذا لم يجد ذلك يستخدم الداعية المربي القوة إذا كان الذي أمامه من المعاندين أصحاب الأهواء كما قال صلى الله عليه وسلم: ( واضربوهم عليها لعشر). صحيح

فتبدأ بنفسها فتصلح حالها فتكون التقوى لها رداءً, والعلم سلاحاً ,والحلم والأناة لها منهجاً؛ فيكون علمها مقروناً بالعمل ؛ فمن علم ,ولم يعمل فإن قوله حجة عليه قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: آية 19 ],ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (لاتكون تقيا حتى تكون عالماً ولا تكون بالعلم جميلاً حتى تكون به عاملاً) ثم إن عليها أن تسأل ربها العلم النافع ,والعمل الصالح قال تعالى: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: آية 114], ويقول صلى الله عليه وسلم: ( اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً) صحيح ،ثم إن الحلم والأناة أفضل ما يجب على الداعية التحلي بها يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }  [آل عمران :آية159], وقال تعالى عن بعض عباده وقد مدحهم: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}[الفرقان آية63]

وقد أقسم الله بالعصر فقال: {وَالْعَصْرِ ﴿1 إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿2 إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿3} [سورة العصر],فقد أمر الله بالتحلي بالصبر فرسالة الداعية تدعوها للصبر,والتحمل ومواجهة ما قد يحصل من العقبات؛ فليس طريق الجنة مفروش بالورود ؛بل هو مفروش بالأشواك والشدائد فلتقدم أو لتحجم ,ولتعلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعمصحيح , وقال تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.[ آل عمران آية142]

______________________________

 

: 27-04-2012
طباعة