الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولًا: أنا أحبكم في الله، وأسأل الله جل جلاله أن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وأن ينجينا وإياكم من الفتنما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقني وإياكم حسن الخاتمة، والجنة بغير حساب. ثم؛ هذه وصيتي قبل أن أسافر:
أولًا: تميزوا.. تميزوا..
قال عمر رضي الله عنه لأولاده: "إن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الباز إلى اللحم". إنني أريد من خاصتي أن يتميزوا، كنت أصوغ فكرة في ذهني أنْ: تغرّبوا، كونوا غرباء في الناس؛ بمعنى إذا ترخص الناس في الصلاة بالقميص و"البنطلون" فحرِّموا على أنفسكم هذه الهيئة، وذلك بأن يحمل كل منا حقيبة نظيفة أنيقة فيها قميص وقلنسوة، وحيثما حلت الصلاة يلتزم هذه الهيئة.
أنا أقول مثلًا: حرِّموا على أولادكم لبس الملابس التي عليها كتابات باللغة الإنجليزية أو رسوم أو ما شابه. أنا لا أقول إن هذه الأمور حرام، وإنما أقول؛ تميزوا.. تميزوا بأن تكون علاقاتكم بالناس مطبوعة بأسمى درجات الأخلاق، حتى ولو مع الكفار، حتى ولو مع مَن يؤذوننا، تميزوا.. تميزوا! خذوا بالعزائم في كل شيء، ولو خالفتم الناس كلهم.. تميزوا!
ثم الثانية: تعمقوا..
في زمن السطحية والتفاهة، نحتاج أن يبدو فينا شيء من العمق؛ عمق التركيز، وعمق التفكير؛ وهذا ما يجعل الإنسان بصفة دائمة متيقظا مُرَكزًا.
كن دائما مُرَكزًا؛ "هذه الأيام تمر، والعمر يمر، والموت يقترب"، هكذا ينبغي أن ترى حالك و أحوال الناس. وإذا تعمقت ودققت النظر في كل شيء، فلا تدع الأمور تمر كيفما اتفق. لا. ليس هذا هو المطلوب، ليس هؤلاء هم الرجال، ليس هؤلاء أهل الدين، ليس هؤلاء أهل الله. لذا؛ عليك التركيز والتدقيق في كل صغيرة وكبيرة. لا تكن سطحيًا! إذًا الأولى: تميزوا، والثانية: تعمقوا
الثالثة: تخلقوا..
في زمن انهارت فيه الأخلاق بكل معانيها، أريد بل أشتهي أن أرى في خاصتي سمو الأخلاق؛ في أسلوب الكلام، في طريقة التخاطب، في طريقة التعامل، في إظهار العواطف، في الكلمات الحلوة. لقد غابت عن حياة الناس الأخلاقيات الجميلة، وغلب النفاق والفحش وسوء الأخلاق والبذاءة. إذا أردنا أن نتميز فعلا فلتسْمُ أخلاقنا.
ينبغي أن أُعلّم زوجتي أن هناك وقتًا للمزاح ووقتا للاحترام. ماذا يمنع أن يكون بين الزوج والزوجة شيء من الاحترام؟! ماذا يمنع أن يكون مع الأولاد وقت للملاعبة ثم وقت للتوقير والتأديب؟؟
هذه الأخلاق تحتاج إلى ترويض؛ ترويض اللسان ألا ينطق، ترويض العين ألا تتطلع، وترويض القلب ألا يشتهي، وترويض العقل والفكر ألا يتشتت.. تخلقوا!
ثم الرابعة: تيقظوا..
وما أحلى الحضور في اليقظة! إننا بحاجة إلى يقظة حقيقية. كثير منا يعيش يقظة على الغفلة للأسف الشديد، قد تجد المرء متيقظًا، ولكن في غفلة عن هذه اليقظة؛ يقظة الحياة أو انتفاضة البعث كما وصفها ابن القيم إذ ذكر: "أن الإنسان قلبه في نوم الغفلة نائم، وطرفه يقظان". تجده يعيش في الحياة بعينين مفتوحتين وقلب نائم، اللهم أيقظنا من ثبات الغفلة. نريدك أن تستيقظ قليلًا، حتى إذا هممت بمعصية تظهر يقظتك التي تُشعرك أن الله يراك وأنت تعصي، ويسمعك، و هو معك، وعندما تدرك أنه يراك وأنت تفعل معصية أيًا كانت ترتعب، حينها لا تستطيع أن تفعلها، و تتردد، ويزول عنك باعث فعلها. إذا كنت في اليقظة، إذا كنت مستيقظًا، وكان قلبك وعقلك متيقظين، يكون بمقدورك أن تبصر ما يحدث.. إذًا: تيقظوا!
ثم الأخيرة هي: الوصية الجامعة:
دعني أذكر لك عبارتين لابن القيم، وسنعمل على الربط بينهما: "أن تعيش على مراد الله منك لا على مرادك من الله"، وسبيلها: "كن لله كما يريد، يكن لك فوق ما تريد". إذًا احذر أن تعيش على مرادك من الله؛ أن تعيش لكي يسترك ويعافيك فلا تمرض، وليعطيك نقودًا فلا تفتقر، ولتكون لك زوجة، وليكون لك بيت، وليكون لك أولاد، احذر أن تعيش على ما تريده من الله، وتنسى ماذا يريد منك الله!
نريدك أن تعيش على مراد الله منك لا على مرادك من الله، في كل لحظة ينبغي أن تقول ماذا يريد الله مني؟ و إذا أردت أن تعيش على مراد الله منك، فاحذر أن يفتقدك حيث أمرك، أو أن يجدك حيث نهاك، أو ألا تكون عند ظن الله بك.
دائما أقول إن الله جل جلاله يعامل كل عبد على قدر ما أعطاه من نعم؛ فالذي عرف طريق المسجد، وسمع هذا الكلام، ليس كمثل من لم يجلس، ولم يسمع، ولا يعرف. فالله جل جلاله يريد أن يراك على قدر ما أعطاك من النعم، كن لله كما يريد يكن لك فوق ما تريد. إذن المطلوب منك ألا تريد. حينما قيل لأحدهم: "ماذا تريد؟"، قال: "أريد ألا أريد".
عش لله يعطك أفضل مما تحلم به.
أعيد من البداية؛ تميزوا.. وتعمقوا.. وتَخلقوا.. وتيقظوا.. وكونوا لله كما يريد.
جزاكم الله خيرًا، أحبكم في الله، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.